داعش تسيطر على أجزاء في كركوك وصلاح الدين بعد سقوط الموصل
استطاع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) قلب الموازين في العراق لمصلحته بشكل كبير من خلال سيطرته أمس على الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية من حيث الكثافة السكانية، عبر سلسلة عمليات عسكرية جذبت الأنظار إليه منذ ثلاثة أيام وكُتبت له الغلبة في جولتها الأولى ضد قوات الجيش العراقي، الأمر الذي تسبب بمغادرة البعثات الديبلوماسية على عجل وكذلك إغلاق الأكراد مكاتبهم وإعلان الاستنفار العام في صفوف البشمركة ونزوح غالبية السكان عن المدينة في اتجاه أربيل.
واذ تمكن مقاتلو «داعش» في وقت لاحق أمس من السيطرة على قضاء الحويجة وخمس نواح في محافظة كركوك العراقية اضافة الى ناحية في محافظة صلاح الدين، دخلت الولايات المتحدة على خط الازمة معتبرة ان جهاديي «داعش» يهددون المنطقة بأسرها، وأعلنت وزارة الخارجية في بيان ان واشنطن تدعم ردا قويا ومنسقا على هجمات «داعش» في العراق.
وقد دخلت قوات البشمركة في صِدام مع «داعش» في منطقة ربيعة قرب الموصل بينما أعلن رئيس الوزراء نوري المالكي الاستنفار العام في البلاد.
ونقلت صحيفة الراي عن القيادي في «داعش» ابو اسامة العراقي ان «نحو 5 الاف معتقل أُطلق سراحهم وانضموا الى صفوفنا بعد معركة (الملاحم سلسلة – ادخلوا عليهم الباب) اضافة الى اننا غنمنا الكثير من السلاح والمال في المحافظة ومراكز الشرطة التي انضمّ بعض عناصرها إلينا في هذه المعركة ليكونوا عوناً لنا في العراق وسورية»، مشيراً الى ان «مقاتلينا استولوا على 500 مليار دينار عراقي من المؤسسات الحكومية».
في المقابل، أكد مصدر قيادي في القوات المسلحة العراقية لصحيفة الراي الكويتية أن قوات «داعش» استطاعت السيطرة على كامل مدينة الموصل صباحاً واشتبكت مع القوات الأمنية في الجانب الشرقي من المدينة خلال النهار، عقب احتلالها مبنى المحافظة وكذلك مركز الشرطة واحراقه، بعدما غنمت ما فيه من عتاد وأسلحة، وأخرجتْ أكثر من 1440 سجيناً من سجن بادوش و1150 آخرين من سجن مديرية مكافحة الإرهاب، اضافة الى اكثر من ألف سجين آخر كانوا في سجن الفيصلية وسجن المحافظة.
وقال المصدر ان تنظيم «داعش» بسط سيطرته على المطار المدني الذي قالت أوساط أمنية عراقية انه كانت بداخله طائرات هيليكوبتر وطائرات أخرى أصبحت تحت سيطرة «الدولة الاسلامية في العراق والشام» بينما بقي المطار العسكري تحت سيطرة القوات العراقية حيث يوجد مركز قيادة العمليات العسكرية.
وشرح المصدر ان «داعش» استغل انهماك القوات المسلّحة العراقية بحماية زوار العتبة الحسينية في كربلاء بمناسبة ذكرى 15 شعبان الواقع في 17 الجاري، وكذلك استطاع القيام بعملية حرف أنظار بمهاجمته مدينة سامراء والايهام باستهداف مقر الإمامين العسكريين، وقام بعملية أخرى ضد الجامعة في كركوك ليكون هدفه الأساسي في الموصل حيث توجد خلايا نائمة له استطاع عبرها التدخل خصوصاً في حي 17 تموز وقلب الموازين لمصلحته»، مستغرباً ان «تكون هناك ثلاث فرق عسكرية في نينوى لم تستطع الدفاع عن المدينة وانسحبت الى أطرافها».
وبحسب المصدر فإن «هدف داعش هو الهجوم على مدينة تقطنها غالبية سنية لايجاد حاضنة في أكبر مدن العراق وإقامة خط تواصل مع سورية في مناطق يسيطر عليها التنظيم في الحسكة ودير الزور، ما يجعل المعركة ضد الإرهاب معركة العراق وسورية معاً، وقريباً حين يستيقظ العالم العربي من حولنا، سيجد ان هذه المعركة معركته أيضاً».
ويقول المصدر ان «هدف داعش هو اقامة الدولة الإسلامية واذكاء الحرب المذهبية، غير أن لا خوف من أي ردّ فعل من المناطق الأخرى لأن المجتمع العراقي من سنّة وشيعة وآخرين يعلم أنه لن يسلم من أفكار ومخطط داعش، ولذلك فإن هذا الهدف ساقط أساساً»، متداركاً: «رغم ذلك فان محاربة داعش ليست بالأمر السهل لأنه يملك عنصر المبادرة والمباغتة وهو ما يميّز حرب العصابات عن القوات الكلاسيكية، إلا أن الكلام هو عن كيفية وقدرة داعش على الاحتفاظ بالأرض وهذا تحدّ آخر له ولنا».
ويرى بعض المراقبين أن المالكي غير مندفع لمحاربة «داعش» خصوصاً، وكأنه يردّ على خصومه السياسيين الذين لا يريدونه رئيساً للوزراء، ولذلك كان من اللافت تركه المجال لتباطؤ تدخّل القوات المسلحة لحسم هذه المعركة الصعبة ووضْع حد لانتشار «داعش»، بينما رأى آخرون أن من مصلحته حسم المعركة وإظهار قوته.
ورأت مصادر على بيّنة من هذه التطورات ان «دول الخليج ستتأثر بتقدُّم داعش وانتشاره واتساع رقعة سيطرته وانتصاراته»، لافتة الى ان «هذا الواقع سيشكل جاذبية لمشروعه ويزيد من احتمال رؤية مظاهر النصرة له في مناطق مثل البصرة وبغداد والكوت، وعلى الحدود الاردنية – السعودية اضافة الى محافظة نينوى المتاخمة للحدود السورية»، ومنبّهة الى ان «النسيج المختلط في الخليج سيكون في مقدمة المتأثرين بالمعارك الدائرة الآن على أرض العراق وسورية»، ومحذرة من ان «بوادر هذا الامر لن تتأخّر في الظهور»، ومتسائلة: «هل تطوُّر داعش سيدفع بدول الخليج وايضاً الموقف الغربي الى تغيير مقاربتهم لخطر الحركات الجهادية ولما يحدث في سورية؟»
وقالت المصادر ان «من غير المستبعد تضافُر الجهود الإقليمية لمحاربة داعش مما سينعكس إيجاباً على وضع الرئيس السوري بشار الاسد، لكن هذا الامر من شأنه تعزيز موقع داعش في العراق وسورية اذ سيصبح الاقوى بين التنظيمات الجهادية الاخرى، كون تصدُّره موقع المواجهة سيجعله أكثر استقطاباً للجهاديين».
وأعلن المالكي القائد العام للقوات المسلحة، حال إنذار قصوى في العراق وطالب البرلمان بإعلان الطوارئ، ودعا كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، إلى دعم بلاده في حربها ضد «الإرهاب».
المالكي، تلا بعد اجتماع طارئ للحكومة ظهر أمس، حضره جميع الوزراء، بيانا أعلن خلاله «تقديم رئاستي الجمهورية والوزراء طلبا إلى البرلمان بإعلان حال الطوارئ في عموم العراق»، داعيا إلى «التعبئة الشعبية في مواجهة خطر تنظيم داعش».
وتضمن البيان، الإعلان عن إعادة هيكلة القطعات العسكرية التي انسحبت من الموصل، والطلب من الأمم المتحدة ومجلس الأمن مساعدة العراق في هذه المرحلة. كما دعا دول الجوار للتعاون مع العراق، وقطع الإمدادات عن الجماعات المسلحة..الخ.
الى ذلك، افاد مصدر محلي في محافظة نينوى، أمس، بان المبالغ المودعة في بنوك ومصارف المحافظة والتي تقدر بـ500 مليار دينار عراقي (نحو 429 مليون دولار)، من الممكن ان يستولي عليها عناصر «داعش».
هذه الأحداث المضطربة، دفعت الموصليين إلى النزوح عن مناطقهم باتجاه مدن إقليم كردستان المجاور، ووفقا لتصريحات رسمية فان قرابة مئة ألف نسمة من سكان الموصل نزحوا نحو مدينتي اربيل ودهوك الكرديتين وكذلك إلى قصبات ونواحي تتبع إداريا لمحافظة نينوى لكنها تخضع عسكريا لقوات حرس الإقليم الكردي.
هذا الخرق الأمني الكبير، يعزوه بعض المحللين إلى الخلافات السياسية الحادة بين المالكي وآل النجيفي اللذين يخوضون مع الحكومة المركزية وتحديدا رئيسها منذ سنوات صراع «كسر عظم» من خلال تلويحهم بإعلان نينوى إقليماً مستقلاً، وهو ما ترفضه بغداد.